يمتد تحوّل أيرلندا من اقتصاد يعتمد على بريطانيا إلى اقتصاد مبتكر ضريبي عالمي على مدى عقود. فبعد حصولها على الاستقلال، وضع صانعو السياسات الأيرلندية سياسات ضريبية استراتيجية لجذب الاستثمارات الدولية. تُظهر الإحصاءات الأخيرة أن الاستثمار الأجنبي المباشر وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث ساهمت شركات التكنولوجيا العملاقة بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي لأيرلندا.
البنية الضريبية للشركات: ما وراء الأرقام
بينما يستحوذ معدل الضريبة على الشركات في أيرلندا البالغ 12.5% على العناوين الرئيسية، فإن الهيكل الأساسي يوفر مزايا متطورة. يشتمل النظام الضريبي على حوافز مستهدفة للبحث والتطوير، مما يحقق معدلات فعلية منخفضة تصل إلى 6.25% لإيرادات الملكية الفكرية المؤهلة. تُظهر البيانات الحديثة أن هذا النهج يحقق إيرادات ضريبية للشركات بقيمة 15.3 مليار يورو لعام 2023، وهو ما يمثل حوالي 25% من إجمالي الإيرادات الضريبية في أيرلندا.
مركز الريادة في الاقتصاد الرقمي والابتكار
يجسد بروز دبلن باعتبارها “عاصمة التكنولوجيا في أوروبا “ الاستراتيجية الاقتصادية الناجحة لأيرلندا. تستضيف المدينة المقرات الأوروبية لأكثر من 1,000 شركة متعددة الجنسيات، بما في ذلك ثمانية من أكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم. ينمو التوظيف في قطاع التكنولوجيا بنسبة 18% سنوياً، مما يخلق أكثر من 15,000 وظيفة تتطلب مهارات عالية في عام 2023 وحده. تدعم استثمارات البنية التحتية التي تتجاوز 4 مليارات يورو هذا التحول الرقمي.
العلاقات الدولية والدبلوماسية الضريبية
يتطلب موقع أيرلندا ضمن الأطر الضريبية العالمية توازناً دبلوماسياً دقيقاً. مع الحفاظ على المزايا التنافسية، تشارك أيرلندا بنشاط في الإصلاحات التي تقودها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. يُظهر التزام البلد بالحد الأدنى العالمي لضريبة الشركات بنسبة 15% كحد أدنى عالمي القدرة على التكيف مع الحفاظ على الجاذبية الأساسية. تعمل المعاهدات الضريبية الثنائية مع أكثر من 70 دولة على تسهيل العمليات التجارية الدولية السلسة.
السياسات الضريبية والتدقيق الدولي
لطالما استحوذ النظام الضريبي في أيرلندا على اهتمام الهيئات الدولية بسبب دوره في استراتيجيات التهرب الضريبي للشركات. وقد سهّل نهج أيرلندا، الذي يتسم بمعدل ضريبة اسمي على الشركات يبلغ 12.5%، الاستثمار الداخلي الكبير من الشركات متعددة الجنسيات. ومع ذلك، واجهت هذه الاستراتيجية انتقادات بسبب مساهمتها في ممارسات تحويل الأرباح العالمية.
وقد قامت كل من المفوضية الأوروبية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بالتدقيق في السياسات الضريبية في أيرلندا. وتتضمن الخطة الضريبية العالمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تهدف إلى الحد من تحويل الأرباح وضمان أن تدفع الشركات حصة عادلة من الضرائب، اقتراحًا للحد الأدنى العالمي لمعدل الضريبة الذي يؤثر بشكل مباشر على الوضع الضريبي التنافسي لأيرلندا.
إذن، هل أيرلندا ملاذ ضريبي؟
غالبًا ما توصف أيرلندا بأنها ملاذ ضريبي نظرًا لانخفاض معدل الضريبة على الشركات البالغ 12.5% والسياسات الضريبية المواتية، والتي جذبت العديد من الشركات متعددة الجنسيات. إلا أن الحكومة الأيرلندية وبعض الخبراء يجادلون بأن البلد لا يستوفي التعريف التقليدي للملاذ الضريبي، حيث أن لديها نظام ضريبي شفاف ومنظم بشكل جيد، وليست ولاية قضائية سرية.
في رأيي أن أيرلندا ليست ملاذًا ضريبيًا في حد ذاتها، ولكن يمكن استخدامها لتشكيل هيكل ملاذ ضريبي أكبر. خاصةً بالنسبة للجزء المستخدم لتحويل الأرباح. ولهذا السبب تم إدراج أيرلندا في قوائم مختلفة للملاذات الضريبية من قبل منظمات مثل شبكة العدالة الضريبية.